رحلة ..ولادة من جديد

منذ عودتي من العمرة وأنا أنوي كتابة ماخالجنّي من أحاسيس  في تلك الرحلة كتدوينة أشارككم بها ..وبعد مرور 3 شهور على عودتي أخيراً أتفرغ لكتابة هذه الرحلة ستكون هذه التدوينة عن مكة وسأتبعها بتدوينة عن المدينة المنورة إن شاء الله

سابدأ يوم وصولنّا لمكة المكرمة وأول مابشرنا بأقترابنا منها كانت تلك الساعة الكبيرة المهيبة ..كنا مرهقين من الرحلة فمنذ الساعة 3 مساءاً انتظرنا في مطار بنينا "الدولي " ببنغازي  وكان متفقاً أن تكون رحلتنا الساعة 6 مساءاً ..وكالعادة حدث ماهو متوقع تأخرت الرحلة لل10 مساءاً ومنها 11 مساءاً ..وخلال ذلك الوقت شعور من الفرح يخالطه الترقب والكثير من التساؤلات ماذا لو تأجلت الرحلة ..بعد كل هذا الأنتظار وصلنا لمطار جدةالساعة 2 صباحاً ..

نرجع إلى تلك الساعة ..مع ركوبنا في حافلة النقل امتدت الرحلة 4 ساعات رغم ان المسافة بين جدة ومكة 73 كم فقط ..وكان الأرهاق والتعب قد التهم كل طاقة الفرح وأرغمنا على النوم..

ولكن بمجرد اقترابنا لمسافة 8 كيلومتر من مكة ..كأن شيء ما أيقظنا ..لتبدأ الضحكات والتكبيرات  .."ياهوو الساعة ..أهي الساعة "

كأننا أطفال ..وبدأت الرؤوس ترتفع مشدودة لرؤية الساعة فهي اقرب للجالسين جهة اليمين ..

وصلنا لمكة على تمام ال6 صباحاً ..لا شيء في مكة يجذبك رغم كل شيء بل أن اول شعور هو الأختناق ويمكن يكون سببه تلك الصخور السوداء الصلده ..تشعر بشعور بالقسوة .فالجو الحار لا يناسب من تعودوا العيش في برودة الجبل 

..وصلنا للفندق الذي كان يبعد فقط 200 متر عن الحرم المكي ..ولا راحة فبمجرد وصول المعتمر عليه أداء العمره ..وضعنا حقائبنا في الفندق ونزلنا للحرم 

خلال سيرينا إلى الحرم كان هناك شعور يُخالجني شعور بالضياع لا أدري ماسببه شعور قوي  بعدم الأنتماء ..نظرات العيون تائهة ومشتته ..الناس أفواج أفواج ..تكبيرات وتسبيحات ..والكثير من الدموع ..دخلنا من باب الملك عبدالعزيز ..ولأننا أول مرة نزور الحرم فأن أفضل طريقة لمعرفة مايجب أن تقوم به هو تتبع كل شخص يلبس غترة وعقال ..

يعطونك كيساً لتضع فيه حذائك ..تدخل للحرم وعيونك تبحث عن شيءٌ واحد فقط ..تسعى إليّه رغم الزحام والتدافع .

.

تراها هناك حولها جموعق بيضاء ماأجملها ماأبهاها ماأعظمها ..صدقوني في تلك اللحظات حدثان فقط هما من يكونان سيدا الموقف 

أن يُعقد لسانك وتنهمر دموعك 

تبدأ الطواف بسبع ثم بعد الأنتهاء تصلي ركعتين ثم تسعى في الصفاء والمروة وتشرب من ماء زمزم ..

لم أستطع في طوافي الوصول للكعبة إلى مرة واحدة ..مرة واحدة سبقتها ثلاث محاولات كلما اقتربت من ملامستها دفعتني الجموع كانت أمي ممسكة بيدي ..ووالدي ممسك بيد أمي 

وأخيراً وصلتُ اليها وأخيراً تطهرت هذه الأصابع بملامستها ..

بعد الأنتهاء من كامل فرائض العمره ..أجمل ماتفعله أن تجلس على الدرج المقابل للحرم وتجلس تغمر بنظرك الكعبة ..تشاهد جموعاً من أُناس لا تعرفهُ من أجناس مختلفة يجمعهُ شيءٌ واحد ..لا أله إلا الله.

في مكة ..تنسى كل شيء ..همومك مشاغل الحياة ..مشاكلك المتراكمه ..يأسك ..ببساطة تُنسى الدنيا كأنها ماكانت يوماً .. 

لو كنت محظوظاً سترجع للفندق وفي بالك أن تُطالع نفسك في المرأة ..صدقوني سترون نوراً بهياً اكتسته وجهوكم..ولو خطر في بالكم أن تطالعوا مافي نفوسكم ..لن تجدوا شيئاً ..فقد ولدتم من جديد ..

خمسة عشر يوماً ..خمس صلوات في اليوم ..في كل صلاة يعود هذا الشعور كأنه أول يوم ترى فيه الكعبة..

خمس صلوات في كل صلاة يجالسك مسلم من بلدٍ .. الترك والأفغان ..الفلبينن والأندونيسيين ..الأيرانيين والأكراد ..العراقيين والمصريين ..الفلسطينيين واللبنانيين ..الموريتانيين والجزائريين ..من كل البلدان 

أحببت مجالسة الأندونيسيين ..شعبُ طيب ..خلوق أنا تزاحمت صفوف الصلاة ..وأعطيتهم مكان بجانبك ليصلوا فيه ..فأن أول شيء يفعلونه بعد انتهاء الصلاة ..تقبيل رأسك ..وتتفاوت طريقة الشكر بين الشعوب الغير عربية ..عندما تعطيهم مكاناً للصلاة ..

 

في مكة ..خمسة عشر يوماً ..خمس صلوات في اليوم ..وأنت تولدُ من جديد  

يتبع