إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 5 أبريل 2012

مشاوير صباحية

كُل صباح أصعد تلك الحافلة  
أجلس في المقعد الأول خلف السائق مباشرةً 


تبدأ حافلتُنا في المسيّر..متهاديةً تصعد تارة وتهبط تارة أخرى... ترتطم بحجرٍ أو تنزلُ في حفرةٍ ظهرت في الطريق مُعلنةً هرمها ونفاذ صبرِها ..
ومع سوء الطريق  
يُشّعلُ السائق أول سيجارةٍ..معلناً سخطهُ بنفخ دُخانها في وجه المرايا المواجهة له  
يفتح النافذة حتى لا يزعجنا برائحة  الدخان
ولكن عبثاً....
تأبي الرَّيُح الغَاضِبةُ  إلا أن تُرَّجع دخان السيجارة إلى الداخل
وكأنها  تُعلن هي ايضاً سخطها لكن على من وعلى ماذا  ..لست أدري ؟؟


يقود السائق حافلتُه بين طرقات المدينة المتعبة  
وتظل الريح الغاضبة تَهُزُ جوانب الحافلة ....كطفلٍ صغير يهز علبةً معتقداً بوجود هديةٍ ما بداخلها ...


ينعطفُ  سائق الحافلة بها ...تارةً يميناً وتارة يساراً
يقف على بيت يقعُ في ناصية الطريق
يحاولُ أطلاق الزمور
يضغط بأصابعه على موضعه المعاوم  ..لا صوتاً يُسمع ..يضَّربُ بقبضتهِ السمراء الخشنه.. مرة واثنتين ..
والزمور صامتٌ كصمت الموتى..!!!


ضجيج المَحرك ..يعلوا بوتيرةً متصاعدة 
 فتنتبه الفتاة... فتخرج ..حاملة في يدها بعض الكتب وغصناً من الأكليل..تشمه ثم ترميهِ على الرصيف.. 


أكمل سائقنا سيجارته الأولى وأشعل الثانية


لا زلتُ جالسةً خلفه مباشرة ...أشتم رائحة الدخان ..وأراهَ
كسحابةُ بيضاء تحجب الرؤيا 
وكأنهُ  شيٌْ كان يَنقُصنِي  ...
فمنذ الصباح ....و بصيرتي ايضاً  يرسُوا فيها ضباب الأفكار المتضادة


بعد أن جمعنا من راكبات الحافلة ..ما كُتب في ورقةِ مواعيد الذهاب ..
رماها سائقنا من نافذته كمن  يرمي من ذاكرتهِ  ذكرى  ..صاحب  السهاد من أجلها .
ذكرى كان لها أثر النحات الذي ينحت  ملامح التعب والحزن على وجوهِ تماثيلهِ 


طريقنا القادم ..لا وجود للأنحناءات فيه فقد خرجنا من تلك المدينة المتعبة 


طريقٌ مستقيم


والطُرقُ المستقيمة تَحمِلُ معها صفاءاً للأفكار ورحلة تأمُلٍ مجانية ..


يمضي الطريق كله .وأنا لا ُأشيح بنظري عن النافذة المجاورةٍ لي
أتُكي برأسي على زجاجها البارد
أرمي بناظري على الجانب الأيسر من الطريق 


 لا يخلوا الطريقٌ من تداخل الألوان ..ومع ازدياد سرعة الحافلة وارتفاع ضجيجها واختلاط ضحكات الفتيات بصوت المسجل الذي غالباً مايصدح بموسيقى ركيكة الذوق !!


رغم كل ذلك ..
يكون الصمت الذي يحيط بي صمتاً لا يشبه أي صمت !!!
ومع سيرنَّا في ذلك الطريق 
يبدأ الضبابُ الراسي في بصيرتي يتلاشى رويداً رويداً 
وتستقيم الأفكار في صفوفٍ متتالية يدعم بعضها بعضاً كستقامتي طريقنا هذا ....أصبحت الرؤيا أوضح


وصلنا إلى مبتغانا ..فُتِح باب الحافلة نزلت الفتيات وأنا معهن


وتركنا سائق حافلتنا ينفخُ دُخان سيجارتهِ الثالثه................
                                                                                                   يتبع